الاكاديمية

هل البيتكوين Bitcoin أساسي في إنقاذ المسلمين من الربا

بدايتاً سنتحدث عن الربا وإثمهُ وكيف أصبح جزء أساسي من النظام النقدي العالمي الموجود حالياً. فعند الحديث عن الربا هو الفائدة التي تؤخذ على القرض أو الدين، وتشمل فكرة الربا أكثر من مجرد الانتفاع من القرض مثل القيام بعملية استبدال كميات غير متساوية في القيمة من السلع المختلفة و الربا أنواع كثيرة سنذكر ونركز في مقالنا هذا على موضوع الربح من الإقراض دون أي عمل.

حكم الربا في الشريعة الإسلامية هو حرام شرعاً، كما أن القرآن الكريم والحديث الشريف استخدم لغة قوية جداً وشديدة ضد هذه الإثم الشنيع، في القرآن الكريم يقول الله عز وجل:” (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” سورة البقرة الآية (275)

وقد حذر سيدنا النبي محمد ﷺ جميع المسلمين من خطورة الوقوع في الربا وإثمهُ، فعن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، قال: «لعن رسول الله ﷺ آكل الربا ومؤكلهُ وشاهدهُ وكاتبهُ» (سنن أبي داوود 3333)

ووصف سيدنا محمد ﷺ التعامل في الربا في حديث رواه أَبِي هرَيْرَةَ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الرِّبَا سَبْعُونَ حُوبًا أَيْسَرُهَا أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ» سنن ابن ماجة (2274).

من خلال ما سبق ذكره من الآيات والأحاديث فإن الربا يعتبر إثم واجب عليك تجنبه مهما كان الثمن، كما أنه يجب على المسلمين ألا يقتربوا منه مهما كان الحال وضاق. ويصنف الربا بأن من كبائر الذنوب في الشريعة الإسلامية، كما يمكن اعتباره يتساوى مع ذنب أخر مثل الزنا، ولو تأملنا بالحديث السابق نستنتج بأن الربا في الحقيقة أسوأ بكثير من الزنا.

ولو أننا سألنا أي مسلم عن سبب حرمة الربا، فبكل تأكيد سيجيبك بأنه بشيء مثل “لأن الربا يستغل الفقراء” أو “الربا يزيد الفقير فقراً” لكن في الحقيقة فإن الربا هو أشد سوءاً من مجرد “استغلال الفقراء”، حيث تقلل هذه الجملة من شدة فساد الربا وإفساده على المجتمع، خصوصاً في سياق النقد الحكومي الحديث.

وحتى نفهم دور الربا في النظام النقدي الموجود حالياً، بدايتاً علينا أن نفحص كيف سيكون الربا هو الآلية الرئيسية في إنشاء العملة الورقية ذاتها، دعنا نستكشف كيف يتم انشاء العملات الورقية وكيف تنتشر في النظام الاقتصادي العالمي الموجود حالياً.

النظام النقدي الحالي

النظام النقدي الحالي

كثيراً ما نتساءل عن آلية إنشاء الدولارات، لهذا نفكر عادةً في عملية طباعة النقود. ولكن من جانب الاحتياطي الفيدرالي فإن طباعة أوراق الدولار لا تشكل سوى جزء صغير جدًّا من مجموع الدولار المعروض. كما أن معظم معروض الدولار ينشأ في البنوك التجارية وليس في البنوك المركزية. ونقصد بالبنوك التجارية هي البنوك التي تستطيع فتح فيها حسابًا جاريًا أو حساب توفير.

إقرا أيضاً: قوانين البيتكوين Bitcoin وعلاقتها بالفيزياء!

كما أن عملية إنشاء النقد الفعلية تبدأ بإقراض البنوك التجارية، فعندما يقوم البنك بإصدار قرض لعميل يطمح في شراء منزل أو القيام بتمويل تعليم أو أي عمل تجاري، فإن المال الذي يتم إقراضه لم يكن موجود قبل عملية الإقراض. بل يتم خلقه بعدة ضغطات على لوحة المفاتيح عند القيام بإصدار القرض. تعتبر عملية الإقراض هي الآلية الرئيسية التي يتم فيها طباعة المزيد من الدولارات. ولا يوجد وراء هذه القروض مال مخبأ في خزنة في أي مكان.

في هذه الطريقة المشينة يوجد مشكلتين.

مشاكل النظام النقدي العالمي الحالي

اولاً: يتم إنشاء الدولار عملياً بالدين، ولكي يكون الإقراض ذات ربح فلا بد أن يشمل على ربًا محرم في مرحلة من مراحله، كما أن الربا بشكل بسيط هو الآلية الربحية التي من الممكن أن تزدهر بفضلها البنوك.

أما عن المشكلة الثانية فهي تتعلق بالتضخم، فكلما زاد عدد القروض فإن المزيد من الدولارات في المعرض النقدي ستدخل وهذا بدوره سيقلل من قيمة الدولارات الموجودة، ومن قوتها الشرائية. حيث يلاحظ أصحاب الدولار انخفاض كبير في قوة مدخراتهم الشرائية كلما قامت البنوك بإصدار المزيد من القروض.

كما أنهُ في النظام النقدي الموجود حالياً لا يستطيع الناس القيام بعملية الادخار بعملة الدولار وذلك لأنه لا يجدي نفعاً كمخزن للقيمة، ولهذا لا بد أن يقوم الأفراد بعمل بجد أكبر لإدارة ثرواتهم باستثمارها في الأصول والأدوات المالية وذلك لمجرد التغلب على مشكلة التضخم، كما أن التضخم في النظام النقدي الحالي يضر المسلم العادي بشكل خاص، لأنه يجعله أمام مشكلة كبيرة.

كما أن في التضخم المبهم للنقد الحكومي يوجد مشكلة أخرى وهي أنه يجعل من الناس أشخاص متهورين بنقودهم التي بالتأكيد ستنخفض قيمتها مع مرور الوقت، كما أنه في المشهد الاقتصادي التضخمي نلاحظ أن الناس يرغبون في تشغيل أموالهم كما يتجنبون التمسك بها وذلك لإحتمالية انخفاض قيمتها بشكل مستمر.

طريقة تشغيل المال في نظام النقد الحالي

أما عن طرق تشغيل المال فمنها إقراضه وبالتالي تحقيق دخل ثابت من قيمة الفائدة. وعلاوة على ذلك، يعتبر هذا المشروع قليل الخطر في النظام المالي القائم حالياً، وذلك لأن البنوك دائمًا تقوم بإصدار القروض بشكل مضمون. كما أنها لا تتخلف عن عملية السداد مطلقًا، وذلك لأن وراءها من يقوم بإنقاذها في حال أنها شارفت على الانهيار. بالإضافة الى ذلك فإن التضخم يدفع الناس إلى القيام بالتخلص من نقودهم التي تخسر قيمتها بهدف الحصول على أداة مالية مربحة، حتى لو أنها غير أخلاقية، كما أن التضخم لا يكتفي بدفع الناس إلى القيام باستهلاك الفائدة، بل كذلك يدفعهم إلى القيام بالاستثمارات الخطيرة وذلك فقط لأنها تقوم بإدرار الربح.

كما أنهُ من الواضح جلياً للجميع أن البنوك لديها دافع كبير للقيام بإصدار أكبر عدد من القروض، مع العلم بأنها لا تقوم بإصدار القروض بشكل متهور وبدون إشراف دقيق، ذلك بسبب أن الاحتياطي الفدرالي يستطيع تغيير سعر الفائدة الذي تقوم البنوك التجارية باقراضه والاقتراض به. كما أنه واحد من أهداف الاحتياطي الفدرالي من القيام ببيع السندات الحكومية وشرائها في السوق المفتوحة هي تحقيق معدل الفائدة التي تستهدفه. وبالتالي بهذه الطريقة يستطيع مجلس الاحتياطي الفدرالي القيام بالتأثير في إجمالي نمو المعروض من القيمة النقدية وانكماشها كذلك حيث أنه بين سعر الفائدة وسعر الاقتراض يوجد علاقة عكسية فكلما ارتفع سعر الفائدة نلاحظ قلة نسبة الاقتراض والعكس صحيح فإذا انخفضت نسبة الفائدة فإن نسبة الإقتراض ستزداد.

وهنا إن تمعن المسلم منا عند النظر إلى هذا النظام النقدي بشكل عام ويستنتج: «حسنًا فلنتجنّب الفائدة لأنها ربا، وإن شاء الله كل شيء آخر سيصلح». لكن حتى في حال تم خفض سعر الفائدة إلى الصفر في النظام النقدي القائم حالياً فهذا الأمر لن يزيد الطين إلا بلة.

لتصل الصورة بشكل أفضل سأطلعك على هذا السيناريو.

مثال: النظام المالي الحالي الربوي

النظام المالي الحالي الربوي

مثلاً لو أننا افترضنا بأن أعضاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي قد قرروا النطق بالشهادتين وقامو باعتناق الإسلام، وبعد أن أصبحوا من المسلمين فقد قرروا أنه لن يكون لديهم أسعار فائدة بعد الآن وذلك لحرمتها، فيعلن جيروم باول –أقصد الشيخ جيروم باول– بأن أسعار الفائدة على القروض من الآن فصاعدًا ستكون تساوي صفر. وهنا سيقوم مجلس الإدارة بإلغاء أسعار الفائدة، وبالتالي يسهل على الجميع اقتراض المال دون أي فوائد وبكل سهولة لكن عليك أن تتذكر بأن عملية الإقراض هي الآلية التي يولّد النقد بها. ومع تزايد كمية الاقتراض بين الناس، فسيرتفع قيمة التضخم بشكل كبير جدًّا وبالتالي تهبط قوة الدولار الشرائية، ليس هذا فحسب بل سترتفع أسعار السلع والخدمات ارتفاعًا جنونياً كذلك.

وبهذا المثال البسيط يتضح بأن سعر الفائدة على الديون في نظام الأوراق المالية لا يمكن بأي حال من الأحوال إزالته ببساطة. فلقد صمم هذا النظام النقدي الموجود حالياً على نحو لا يمكن أن يتم إزالة الربا من جوهر عمله. كما أن كثير من المسلمين يعتقدون بأن تجنب الربا لا يقتضي إلا باستخدام البنوك الإسلامية والصيرفة غير الربوية. لكن النظام النقدي الحالي لا يمكن فيه القيام بإزالة الفائدة وذلك لأن العملة نفسها قائمة أساساً على الدين. وبالتالي لم تستطع البنوك الإسلامية القيام بإخفاء الربا إلا باستخدامها مصطلحات مالية معقدة بكلمات عربية رنانة لأصحابها خبرة كبيرة في ذلك 

كما لاحظ ناقد شهير للبنوك الإسلامية قائلاً: «تعتمد الصيرفة الإسلامية على العقود الشرعية لإخفاء الجوهر الحقيقي معاملاتها وهو الربا».

كما نرى من خلال هذا التحليل فإن الاحتياطي الفيدرالي يستخدم سعر الفائدة كوسيلة للتحكم في قيمة المعروض النقدي، ويعتبر النظام النقدي القائم على الدَّيْن ذو مربح كبير للغاية للأشخاص الذين يسيطرون ويشاركون في عملية إنتاج وإصدار الدولارات على أساس الربا. ولنذكر بالنقطة المهمة التي علينا تذكرها دائماً بأن الربا هو الآلية الأساسية التي تجعل النظام النقدي ناجح.

قبل أن ننتقل للحديث عن البيتكوين، سنناقش كم الآثار المدمرة للنظام النقدي الذي يعمل على أساس الربا.

فساد الربا في النظام المالي الحالي

بعد كل ما ذكرناه سالفاً أصبح من الواضح أمامنا بأن البروتوكول الذي يقوم عليه نظام النقد الحديث هو الربا، لهذا سنوضح تداعيات التعامل بالربا.

إقرا أيضاً: ما هو CeDeFi.. ومن قام بنشر CeDeFi في سوق العملات المشفرة

تقوم البنوك بإصدار أكبر قد ممكن من القروض وبالتالي تربح بشكل كبير من الأشخاص المثقلين بالديون فكلما طالت مدة الدين على الشخص كلما زادت فرصة تراكم الفائدة وبالتالي تخرج الأمور بعدها عن سيطرة المستدين، هذا هو السيناريو الأكثر شيوعاً في المجتمعات الحديثة خصوصاً مع صعوبة القيام بسداد الدين بعملة متضخمة تقوم على الديون مثل الدولار.

عندما يقوم مدين بالتخلف عن سداد دينه، بالتالي يستولي البنك على أصوله، وبهذا يستفيد المصرفيون من الربا بأنهم يخلقون نقود ورقية من اللاشيء عن طريق استخدام الديون.

والأدهى من ذلك والذي يجعل الربا أشد تدميرًا: العمل البشري اللازم للقيام بتسديد الفائدة. عندما يصدر البنك قرض وعليك تذكر بأن هذه هي الآلية الرئيسة التي يقوم عليها إنشاء النقد، حيث يجب على المقترض أن يقوم بتسديد سعر الفائدة مع القرض.

ولكن يبقى السؤال هنا من أين تأتي هذه النقود لدفع الفائدة؟ من الطرق الموجودة أن يقوم الشخص باقتراض المزيد من المال ليقوم بدفع الفائدة المتراكمة عليه، لكن هذا التصرف يجعل المستدين في دوامة من الديون يصعب عليه الخروج منها. 

عادةً ما يحدث هو أن المقترض يعمل عملًا أكبر ليقوم بجمع المال اللازم لدفع الفائدة، في النهاية لا بد أن يدفع المقترض قرضه والفائدة التي فرضت عليه حتى لا تتراكم عليه المستحقات وبهذا كون العامل البشري هو من يقوم بدفع الفائدة أما البنك ويقبضها دون مخاطرة أو عمل، وبالتالي إذن فإن النظام النقدي الحديث يعتبر وسيلة البنوك لتقوم بجني ثمار العمل البشري دون تقديم أي مخاطر أو تضحيات.

يذكر بأن جورج إدوارد غريفين كتب في كتابه المخلوق القادم من جزيرة جيكل: “تبقى الحقيقة أن كل الفوائد تُدفَع بالجهد البشري. وأهمية هذه الحقيقة لا تتوقف بافتراض عدم إنشاء ما يكفي من الأموال للقيام بتسديد الفائدة. ذلك أن كل هذا الجهد البشري في نهاية المطاف يصب في صالح الذين يصنعون النقد الحكومي، وفي صالح الطبقة الحاكمة من نبلاء المال، التي تعمل عندها الغالبية العظمى من المجتمع، خدمًا بالسخرة”.

كل ما ذكرناه حتى الآن هو على نطاق الاقتصاد الجزئي ولو توجهنا لمستوى أكثر شمولية نجد مثلاً بأنه يجب على الشركات الاحتفاظ بنسبة معينة من الديون في الميزانية العمومية الخاصة بها كما أن الحقيقة هي أن التمسك بالنقد بدلاً من الديون يصبح ثقلاً مع مرور الوقت وذلك يعود لانخفاض قيمته بشكل مستمر.

وبالتالي نستنتج بأن القرار الأكثر نفعاً وربحاً على الشركة هو أن تقوم بالتمسك بكمية من الديون وتقوم باستخدام هذا الدين لأعمال تمويل الشركة وتوسعاتها.

ومن الأمور التي نلاحظها بأنه كلما كانت الشركة أكبر كلما كان من الأسهل الحصول على قروض بأسعار فائدة متدنية. يخطر ببالنا سؤال ماذا لو أن الشركة استطاعت أن تقوم إقراض عملائها بسعر فائدة أعلى أو منحهم صفقة على منتجاتها؟ وكذلك سؤال أخر ماذا لو استطاعت الشركة أن تقوم بإصدار بطاقات ائتمانية خاصة لعملائها المميزين؟ ربما هذا الأمر حيث يوجد عدد من الشركات الكبيرة في جميع الصناعات تقدم خطوط ائتمان. هذا ليس من المصادفة أو الخطأ في الرأسمالية كما يقول بعض الاشتراكيون عندما يلقون اللوم عليها في هذا الأمر.

في النظام النقدي القائم على سياسة الربا، فإن أكثر الأعمال ذات ربح عالي هي التي يمكنها نقل ديون أكثر بأسعار فائدة عالية أكثر من معدلات الاقتراض. 

يشرح سيف الدين عموص هذا بشكل رائع في كتابه الأخير ‘معيار النقد الحكومي‘ حيث يقول:”في ظل معيار النقد الحكومي، يتدهور كل نموذج عمل تجاري ليصبح مراجحة بين أسعار الفائدة، يقل الاهتمام بالربح عبر تقديم خدمات نافعة للعملاء، ويصبح الأهم هو إنشاء علاقات دائن ومدين معهم، أهم ميزة تنافسية لشركة في السوق هي قدرتها على تأمين الديون بسعر فائدة أقل، تعيش الشركات وتموت بحسب قدرتها على مراجحة الديون بشكل صحي”.

أًبح في زماننا الحالي ليس من الضروري للشركة أن تنتج شيئًا له قيمة، فمثلاً البنوك الإسلامية هي تحتاج لإيجاد طرق جديدة لتقوم بنقل الديون إلى عملائها بسعر فائدة سيكون أعلى من المعدل الذي قامت باقتراضه في البداية.

ومن الآثار الخفية للربا والمدمرة هي كيفية تأثيره في الطلب في السوق، حيث أنه في السوق الحرة العادية يجب على الناس العمل والقيام بإنتاج شيء له قيمة قبل أن يتمكن الناس من شراء وبيع الأشياء في السوق، أما إذا لم تستطع إنتاج شيء له قيمة، فلا يمكن لك أن تشارك في السوق إلا في حال أنك تعتمد على الآخرين مثل العائلة والأصدقاء للحصول على المساعدة.

كما أنه في حال أُدخل الدين في النظام بالتالي سيخلق طلبًا مفتعلًا مع دخول عملاء جدد إلى السوق، هذا الطلب المفتعل سيؤدي بإمكانهم اليوم شراء أشياء بأموال ليست من ضمن ملكهم. كما أن ارتفاع الأسعار هذا يؤدي لصعوبة في الحصول على المنتجات ذاتها نفسها التي كانت أرخص في وقت سابق.

كما أنه عليك أن لا تنس أن الأجور لم تتغير، حيث أنها لم ترتفع الأجور مع ارتفاع الأسعار، بل بقيت على حالها تماماً دون تغير، وبالتالي في وجود هذا الوضع فإن احتمالية تورط الناس في أنشطة إجرامية ستكون بشكل كبير بهدف الحصول على سلعهم، أو ليقوموا بالحصول على مزيد من الديون حتى يتمكنوا من المشاركة في السوق. 

هنا نصل الى أنه لا عجب أن نجد أن أنجَح الناس في السوق القائم على الدين هم الأشخاص المجرمون (المصرفيون) الذين يقومون بالتربح من الفائدة بإصدار الديون.

بانتقالنا الى المستوى العالمي في انتشار الربا وآثاره وعواقبه نصل إلى أن الاتحاد الفيبرالي لا يعمل فقط في الولايات المتحدة ولا يقتصر تأثيره على المواطنين الأمريكيين فقط بل إن هناك منظمات دولية متخصصة في نشر الربا في دول العالم المختلفة حيث تتكون هذه الشبكة بشكل رئيسي من بنك مركزي عالمي يسمى صندوق النقد الدولي (IMF) وبالإضافة إلى البنك الدولي.

ننقل لكم حرفيا من الجملة الأولى الموجودة على صفحة ويكيبيديا الخاصة بالبنك الدولي فنجد: “..مؤسسة مالية دولية تقدم القروض والمنح لحكومات البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل…”. 

كما يوجد هناك مؤسسات مصرفية عالمية أخرى مختلفة ومن الأمثلة على ذلك: بنك التسويات الدولية (BIS) وغيره، لكننا لن نتحدث عنهم في مقالنا هذا.

يبقى السؤال قائماً من أين يحصل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على تمويلهم؟ و نصل الى الإجابة أولاً لا بد أن ننظر في نشأة مثل هذه المنظمات.

صندوق النقد الدولي والسيولة النقدية

صندوق النقد الدولي

بعد توقيع اتفاقية بريتون وودز عام 1944 تأسس صندوق النقد الدولي والبنك الدولي حيث كانت هذه الاتفاقية بالمصادفة هي الاتفاقية التي ربطت جميع العملات العالمية بعملة الدولار الأمريكي.

ولتسهيل فهم هذا الأمر؛ فإن الغرض الرئيسي من صندوق النقد الدولي هو أن يعمل كبنك مركزي للعالم، وهو يعمل بطريقة تشابه بشكل كبير الاحتياطي الفيدرالي لكن بشكل أوسع.

حيث يحصل صندوق النقد الدولي على تمويله من الدول المختلفة على أساس نظام الحصص، ويستطيع أن يقوم بخلق الأموال والقروض من لا شيء، تسمى هذه القروض بإسم حقوق السحب الخاصة (SDRs).

الهدف الرئيسي لصندوق النقد الدولي هي بلدان العالم الثالث، وذلك تحت مسمى الحد من الفقر وغيرها من المسميات الإنسانية، ولكن تأتي هذه القروض مع فوائد ويعول صندوق النقد الدولي على أن هذه البلدان غير قادرة على القيام بالسداد، وهذا السيناريو البشع ستكون نتيجته بأن الدولة المستدينة كانت مفلسة في البداية أما بعد القرض فأصبحت مفلسة ومدينة كذلك وعندما يهب صندوق النقد ليساعد هذه البلدان الفقيرة فيقوم بإعادة هيكلة الديون حتى تستطيع مواكبة مدفوعات الفائدة دون هدف واضح لسداد الدين بشكل كامل ونهائي، وعندما تعجز الدولة بشكل كامل وتفلس فإنها تقوم ببيع بعض من أصولها ومواردها الطبيعية عبر المزاد الخاص بالشركات الكبرى والمؤسسات الدولية.

إقرا أيضاً: العبارة الأولية “seed phrase” و 3 نصائح للحفاظ على Seed Phrase

يصعب علينا شمل كيفية إدارة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في هذا المقال لأنه خارج نطاق المحتوى العام للمقال لكن في حال كنت ترغب بالاطلاع ومعرفة المزيد فبإمكانك الرجوع لحلقة البث الصوتي والتي تم نشرها مؤخراً والتي تحدث فيها بريستون بيش وكذلك سام كالاهان عن كيف قام صندوق الدولي بإغراق البلدان من العالم الثالث بالربا والديون المدقعة.

ومن المهم أن ننوع بأن أي شبكة مالية دولية هدفها الربح وامتصاص جهد وتعب العاملين هذا لن يكون الا في الربا فهو المكون الأساسي الذي يجعل بدوره إصدار الديون عملاً ذو مربح وعائد مجدي.

إن تفكرنا في ما هية الأذى الذي قد يسببه الربا للمجتمع يبقى السؤال مطروحاً الى ماذا سيؤدي الربا في نهاية المطاف؟

ربما سيكون صعباً معرفة النتيجة النهائية على بشكل يقيني، ولكن ليس صعباً علينا تخيلها، فعندما نرى مجموعة من المصرفيين تقوم بخلق الديون وتتحكم فيها في العالم بدون عناء منها، فنجد أنه من المنطق أن نجد فئة من العبيد لكي تحافظ على النظام الفاسد. 

الله أعلم بمستقبل الأيام، لكن أظن بأن النتيجة النهائية لنظام الربا هي القيام باستعباد الإنسانية بشكل كامل وتجريدها من الحقوق الملكية ومن ممتلكاتها وهذا ليس صعب لتوقعه فقط ألقي نظرة على ما يسوق له المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF): “لن تملك شيئًا، وستكون سعيدًا”.

البيتكوين: تقنية مضادة للربا

بعد كل ما ذكرناه ووضحنا عن الربا وخطورته وعقوباته وغيرها من الأمور الآن سننتقل بالحديث الى البيتكوين، يعتبر البيتكوين من التقنيات التي تعمل بشكل مضاد للربا كما سنذكر بشكل تفصيلي الآن في مقالنا الحالي بعدما قمنا بتوضيح وتفصيل للربا وأَضراره ومدى ارتباط النقد الحالي بالربا ووضحنا بأنه لا يوجد طريقة بشكل نهائي لعزل هذا النظام عن حرمة الربا.

بدايتاً علينا أولاً معرفة خصائص التي تميز البيتكوين والتي تسهل علينا فهم كيف يمكن للبيتكوين أن يناهض الربا.

من أهم هذه الخصائص: نسبة سقف العرض يقدر بواحد وعشرين مليون، الذي يمنع زيادة العرض عبر إصدار مجموعة من الديون، كما يحدث اليوم في النقد الحكومي.

كما أنه لا يمكن استصدار بيتكوين جديد إلا عبر تعدينها، وهذا يتطلب استهلاك طاقة حقيقية. علاوة على ذلك، لا يستطيع أي شخص أن يقوم بتغيير بروتوكول البيتكوين أو حتى مدخلاته، كما تفعل البنوك في مدخلاتها لتقوم بمنح نفسها المزيد من المال.

من الخصائص الأخرى كذلك للبيتكوين هو وجود آلاف العقد التي يمكن لأي شخص تشغيلها لفرض قواعد الإجماع والتأكد من عدم وجود الغش في النظام، العقدة هي بشكل بسيط عبارة عن برنامج يقوم بالتحقق من صحة المعاملات التي تتم على شبكة البيتكوين، حيث يستطيع أي فرد أن يقوم بتشغيل عقدة على حاسوبه وأن يقوم بالمشاركة في الشبكة. 

لو فكرنا قليلاً في آثار ذلك عند مقارنته بعملية النقد الحكومي؛ في نظام النقدي الحالي لا يوجد طريقة يستطيع الإنسان العادي من أن يقوم بالتحقق من التزام البنوك بأي قاعدة أو المشاركة في القيام باصدار النقد، ففي النقد الحكومي عليك أن تأخذ الإذن حتى تشارك، بينما في البيتكوين فلا يوجد حاجة لك لأخذ أي إذن فالبيتكوين خالٍ من الثقة حيث يستطيع أي شخص أن يقوم بتنزيل الكود المصدري وتشغيله.

أما عملية إصدار البيتكوين المجدوَل، فإن كل كتلة يتم تعدينها تنتج حاليًا 6.25 بيتكوين، وهذا يحدث كل 10 دقائق تقريباً، كما أن المعدنون يتنافسون للحصول على جزء من هذه المكافأة، فعندما يتم تعدين 210000 كتلة أي بمعدل 4 سنوات تقريبًا تنصف المكافأة.

لذا من المتوقع أن يحدث التنصيف القادم في عام 2024م حينها سيتم تغير مكافأة تعدين الكتلة التالية التي ستكون بحدود عام 2028 من مقدار 6.25 بيتكوين إلى مقدار 3.125 بيتكوين.

وباتباع واستخدام هذا الجدول فمن المتوقع أن يتم تعدين كل البيتكوين بحلول عام 2140 م وتقدر كمية الحد الأقصى للعرض 21 مليون بيتكوين.

فهم العرض الثابت للبيتكوين ومتطلباته الطاقية ونموه المتوقع سيساعدنا على فهم النقطة التالية، وهي مقدرة البيتكوين على خفض أسعار الفائدة إلى ما يساوي الصفر.

حيث أنه نظرًا للعرض الثابت لعملة البيتكوين يمكن أن نتوقع زيادة قيمة كل حبة مع انضمام المزيد من الأشخاص إلى الشبكة. وبالتالي لا يمكن القيام بطباعة المزيد من البيتكوين لوجود زيادة في الطلب على استخدامها. 

كما أنه بمجرد أن يتبنى العالم معيار البيتكوين ان شاء الله، فيمكننا أن نقوم بتوقع زيادة قيمة البيتكوين لتتناسب مع إنتاجية العالم، ومثال على ذلك لنقل 2 إلى 5٪ سنويًّا وبوجود عملة مُتوقع ارتفاع القيمة الخاصة بها، فسيميل الناس إلى القيام بالاحتفاظ بأموالهم والقيام باستخدامها في أغراضها الأصلية، كما أن البيتكوين يخزن القيمة ويحفاظ عليها.

هنا أصبح الأمر مثيرًا للاهتمام؛ فإذا كان الناس على الأرجح يقومون بالاحتفاظ بالبيتكوين الخاص بهم، فإن هذا بدوره سيقلل من إغراء إقراضها مقابل فائدة ضئيلة. 

حيث أنه في ظل النظام النقدي السليم، والذي من المتوقع أن ترتفع قيمة البيتكوين بكل عام، إذا لم سيقوم أي أحد بإقراض أمواله لغريب مصرفي؟ إن هذا الإقراض ذو فائدة ضئيلة وله مخاطرة كبيرة وهي خسارة المال ذاته في حال أن المقترض قد تخلف عن السداد؟

كما علينا تذكر بأن البنوك لا تستطيع خلق المزيد من عملة البيتكوين في حال لم تستطع أن تقوم بسداد ديونها. لذلك فإن الأقرب إلى العقل هو الاحتفاظ بالبيتكوين ما دامت قيمته في إزدياد بفضل العرض الثابت.

غالباً سيستمر عملية الإقراض لكن ليس بالشكل الموجود عليه حالياً بل سيكون متقصر على المعارف من العائلة والأصدقاء وليس مع الغرباء، حيث يتطلب الإقراض مستوى معين من الثقة والضمان قبل أن يغادر المقترض ومعه البيتكوين.

وحتى في حال حدث إقراض، فغالباً سيكون بمعدل فائدة 0٪ وهذا بسبب العائد الإيجابي المتوقع من البيتكوين نظراً لارتفاع قيمته.

كما أنه من المتوقع أن يستخدم الإقراض للقيام بتنمية الأعمال التجارية بهدف كسب ربح أو القيام ببناء عقار بهدف تحقيق دخل، ليس لمجرد كسب الفائدة فقط. 

نموذج اقتصادي كهذا لتقاسم الأرباح والخسائر هو تماماً ما تحاول الصيرفة الإسلامية الترويج له، وبالتالي يجعل البيتكوين بخصائصه المميزة لهذا النموذج الإسلامي من الممكن والسهل القيام بتحقيقه.

ثم ربما يسأل شخص ما: هل الخدمات المصرفية الإسلامية ستظل موجودة بموجب معيار البيتكوين؟ على الأرجح بأن تظل البنوك موجودة، لكنها ليست ذات قدرة على الانخراط في تجارة الربح من الربا. 

ففي البيتكوين لا يمكن للبنك أن يقوم بإصدار الديون ليقوم بخلق المزيد من البيتكوين، لهذا فإن البنوك ستحتاج إلى تقديم خدمة قيمة لكي تبقى، وبالتالي تقوم البنوك باستخدام خدمة إدارة البيتكوين والقيام بتخزينه، ومع هذا غالباً لن يكون هذا الأمر ذو مربح لهم وذلك لعجزهم عن القيام باستخدام الربا بشكل فعال. 

تستطيع البنوك أن تقوم بتسهيل اجتماع أصحاب الأموال ورجال الأعمال وذلك لبدء المشاريع التجارية، ولكن مهما كانت الأنشطة التي تعمل فيها البنوك إلا أنها لا بد من أن تقدم شيئ ذو قيمة للمجتمع، وفي حال تحقق ما سبق فإنه ليس للمصرفيين أن يسكنوا قصورهم ويقومون بسرقة أعمال الآخرين بالربا كما كانوا يفعلون في نظام برهان الديون لإصدار النقد الحكومي.

بعد ذكرنا لكل ما سبق فإنني مقتنع بأنه لا يزال بإمكان الأفراد أن ينخرطوا في الربا إذا كان هذا اختيارهم. كما أنه يمكن للفرد أن يقوم بالاشتراك في قرض ربوي باستخدام البيتكوين، لكن مع الفارق الكبير حيث أنه يشترك في الربا في نظام مغلق ليس له ذو تأثير مباشر على المستخدمين أو المالكين الحاليين.

بالإضافة الى كل ما سبق ذكره فإن في معيار البيتكوين ليس على المسلمين أن يقوموا بإدارة محافظهم الاستثمارية حتى يتأكدوا من أن ثروتهم حلاً، أصبح المسلمون الآن يتمتعون بخيار الادخار والتعامل بالبيتكوين دون الحاجة إلى الوقوع في الربا.

هذا الأمر كان سابقاً يبدو كأنهُ حلم، لكنهُ الآن أصبح حقيقةً، فعندما تبدأ العملات التضخمية التي تقوم على الربا بالانهيار فسيحتاج العالم الإسلامي إلى التوجه للهجرة المالية لنظام نقدي مختلف. 

السؤال القائم بأنه هل سيكون هذا النظام دولار ربوي على شكل عملة رقمية من البنك المركزي أم أنه يوجد تكنولوجيا مضادة للربا وهي البيتكوين؟ يجب أن تكون إجابتك واضحة فإذا كنت مسلماً باحث عن الحالا والخروج عن الربا فإن البيتكوين من الممكن أن يكون جزءًا من الحل، كما يمكن للمسلمين البدء من الآن في التحول بترك العملات الربوية والبدء في تجميع البيتكوين المناهض للربا.

ahmad_mukry

متخصّص في الاقتصاد والأسواق المالية، التقنية والعملات الرقمية
زر الذهاب إلى الأعلى